خطوة نحو التمركز
أي اللغات تتحدّث؟
في المرحلة الثانويّة كنت غير مهتم بالدراسة نهائيّاً، في الحقيقة كنت أنام خلال ٥ من أصل ٧ حصص يوميّاً. واحدة من الحصص التي كنت أستيقظ لأحضرها كانت الفيزياء ببساطة لأن المدرّس أخبرني في مرّة أنّ لدي موهبة في الفيزياء، أنا لا أعلم إذا كان يشجّعني فقط أو هو فعلاً وجد شيئاً في قدراتي ولكن المهم أنّي أبدعت في المادّة. اليوم بعد حوالي عشر سنوات أنا مازلت مهتم جدّاً في الفيزياء النظريّة، أستطيع أن أتحدّث مع الخبراء فيها بلغتهم. إذا احتاجت أي منظّمة فيزياء أن تبني موقع إلكتروني أو تعمل على التسويق أنا أفضل مسوّق لهم لأنّي أتعاطف بشدّة مع مجتمعهم الذي هو جمهورهم المستهدف. أنا أتحدّث لغتهم.
أي اللغات تتحدّث أنت؟
توقّف عن القراءة هنا وسجّل خمس لغات تتحدّثها. مجالات وقطاعات لديك اهتمام عالي بها. فالنفترض أنّك مدير حسابات انستجرام وفي نفس الوقت لديك اهتمام عميق في مجال الأزياء. أنت تعرف أخبار شانيل وهرمس وكوتش. أنت تعرف توجّه السوق والصيحات الحديثة. أنت خبير في الموضة. تعرف معنى مصطلحات مثل الإتّجاه الفنّي وتعرف ما يجعل الحملة التسويقيّة للخريف ناجحة. أنت تتحدّث لغة مصممين الأزياء. هذا هو المفترض أن يكون تخصصك.
أو لنفترض الآن أنّك مستشار في العلاقات الإنسانيّة، مررت بتجربة خيانة وطلاق في ماضيك وهذا ما جعلك تسلك هذا الطريق. العديد من عملاءك يسألونك عن العلاقات في العائلة وعلاقات بيئة العمل ولكن، بين فترة والثانية يأتيك ذلك العميل الذي مر أيضاً بالخيانة. أنت تعرف ما يمر به. أنت تعرف الألم، تعرف معنى انكسار قيم الوفاء وتعرف شعور الفراغ الذي يعيشه الإنسان بعدما يعرف أن سنوات من حياته كانت وهم. أن تعرف لغة الخيانة وتعرف ما يتطلّبه الأمر للخروج من تلك الحفرة.
هذا ما يسمّى التعاطف. وهو نصف المعادلة للخبير. الخبير يحتاج أن يُثبت للجمهور نقطتين لا ثالث لهما. التعاطف ثم الكفاءة. لاحظ أنّي استخدمت كلمة "ثم" لأن الترتيب مهم. بدون تعاطف مع الوضع الحالي أنا فعليّاً لدي شك في قدرتك على نقلي الى وضع جديد أفضل.
فالنفترض أنّك ذهبت اليوم الى النادي الصحّي (الجيم)، عرضو عليك أن تشترك مع مدرّب شخصي. تحدّثت مع الأوّل، هو فائز بعدد من البطولات ومن الواضح عليه درجة عالية من القوّة واللياقة. هذا ما تطمح أنت بالوصول إليه. من بعدها التقيت بالمدرّب الثاني، لا يملك بطولات وانجازات، مستواه اللياقي وشكله جيّد جدّاً (ليس بمستوى الأوّل) وبينما كنت تتحدّث معه أخبرك أنّه هو أيضاً كان يعاني من قلّة الوزن وفي الحقيقة هو بدأ التدريب فقط من سنتين، ثم شاركك صوره قبل أن يبدأ رحلة التحوّل، فعلاً كان هزيلاً وكان وضعه أسوأ منك. السؤال: مع من ستشترك؟
تذكّر أننا نعمل مع الناس الذين نثق بهم ونحن نثق بأولئك الذين يتحدّثون لغتنا. هناك سبب لأن أوّل سؤال عادة ما يطرحه الإنسان عندما يلتقي بشخص جديد هو "أنت من وين؟". هو يبحث على الثقة، الثقة أساس العلاقات. هناك جمهور أنت تعرف لغته. تحدّث معهم.